جامعـــات.. ومراكــز أبحـــاث إسرائيليـــة!
خليل علي حيدر
كانت «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» بين أبرز مراكز الدراسات والبحوث العربية. ولا تزال منشوراتها التي صدرت عنها تباعا منذ انشائها عام 1963، والكتب التي ترجمتها، من أهم المجهودات الفكرية التي بذلها العالم العربي في هذا المجال.
ولا أعرف على وجه التحديد ما جرى للمؤسسة مؤخراً، وأذكر أنني طالعت تقريراً في صحيفة الحياة 2004/1/3، قبل خمس سنوات، بعنوان «غياب التمويل وتراجع الاهتمام يفاقمان أزمة» مؤسسة الدراسات الفلسطينية «ويضعانها أمام خيارات محدودة»، وقد جاء التقرير أن الاجتياح الإسرائيلي لبيروت 1982 أدخل المؤسسة في مرحلة شديدة الخطورة وكثيرة التحديات، وتراجعت إلى حد كبير، وبخاصة بعد تقلص التمويل الخليجي، وخصوصا الكويتي بعد كارثة الغزو عام 1990.
ومن المفارقات التي يشير إليها التقرير المذكور، «أن المردود المالي للمؤسسة يعود من بيع الإنتاج في أمريكا وليس في الدول العربية، ونجد أن الطالب الأمريكي معني بالقضية الفلسطينية أكثرمن الطالب العربي».!
قيل الكثير عن الفجوة الواسعة بين مدى اهتمامنا بإنشاء مراكز البحوث والدراسات.. واهتمام الإسرائيليين، وقيل أكثر عن عدد الكتب والأوراق والبحوث التي نصدرها، وتلك التي تصدر.. «هناك»!
أذكر من بين الكتب العربية المهمة في رصد المجهود العلمي والبحثي في الجامعات والمؤسسات الإسرائيلية، المتعلق بفلسطين والعالم العربي عموما، كتاب بعنوان «الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل»، الصادر عام1993 للباحث في «مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية» وعضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية، إبراهيم عبدالكريم.
وشد انتباهي فصلان من فصول الكتاب زاخران بالمعلومات والتفاصيل المجهولة تقريبا في الأوساط العربية الثقافية والسياسية.. على حد سواء، وقد مضى اليوم نحو 15 عاماً على صدور الكتاب، ولا أدري ما الجديد الذي انشغلت به هذه الأبحاث الإسرائيلية من شؤوننا، منذ أن صدر الكتاب!
ويركز الكتاب على تناول مؤسسات الأبحاث الإسرائيلية المعنية بالشؤون العربية.. وفق أربع مجموعات. مجموعة معاهد الأبحاث المرتبطة بالجامعات، ومجموعة دوائر الوزارات، ومجموعة مراكز الدراسات في الأحزاب، وأخيرا المؤسسات الخاصة المرتبطة أو المتعاونة مع جهات خارجية.
فالجامعة العبرية المؤسسة في القدس عام 1882، يديرها «مجلس حكام» يتألف من رجال علم وشخصيات بارزة في الحياة العامة» إسرائيليين وأمريكيين، ولها مكتبة كانت تضم عام 1965 نحو مليون كتاب. وقد عُنيت هذه المكتبة بالحصول على تركات الكثير من المستشرقين والباحثين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وأفردت داخلها أجنحة خاصة لمكتباتهم ومؤلفاتهم، لعل أبرزهم المستشرق «جولدتسيهر» وتصدر الجامعة العبرية عدة مجلات متخصصة، وتتبعها دار نشر كبيرة وتعد الجامعة العبرية أهم الجامعات الإسرائيلية في مجالي التدريس والبحث.
ترتبط بالجامعة العبرية عشر مؤسسات بحثية استشراقية تدرس شؤون العرب والفلسطينيين والعالم الإسلامي، ومنها «معهد ترومان لدراسات الوفاق والسلام»، الذي تركز بحوثه على الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى وحدة خامسة اختصت بدراسة مسائل التحديث والتنمية. وقد أصدر المعهد الكثير والعديد من الكتب منها «سياسات العرب الفلسطينيين»، و«التنظيم السياسي للعرب الفلسطينيين في ظل الانتداب البريطاني»، و«الفلسطينيون في الخمسينات ونهضتهم كما عبر عنها أدبهم» و«هويات وأشكال العصابات العربية خلال اضطرابات 1936-1939… إلخ.
ومن المعاهد «معهد ليفي اشكول» الذي ترأسه عند تأسيسه عام 1971 د.شلومو أفنيري، وتتابع على رئاسته أكاديميون إسرائيليون بارزون، ويعمل فيه طاقم من كبار الباحثين.
ومن بحوث المعهد المنشورة «التغيرات العقائدية في المجتمع الإسرائيلي»، و«الطرق المختلفة لاستيعاب المهاجرين»، و«توسع الصناعات الحربية وانعكاس ذلك على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في إسرائيل»، و«المجتمع الإسرائيلي كمجتمع مؤمن بالتعددية»..
ومن المعاهد «معهد مارتن بوبر للتقارب اليهودي- العربي».
وقد أقيم في نطاق الجامعة العبرية لأغراض تعليمية أساساً، في محاولة للتقريب بين اليهود والعرب عن طريق تعلم كل طرف لغة الطرف الآخر، ومنذ أوائل السبعينات حتى العام 1987، أنهى أكثر من 800 طالب دراستهم في المعهد، كان أكثر من نصفهم عربا.
ثاني الجامعات الإسرائيلية التي ترتبط بها عدة مراكز أبحاث هي جامعة تل أبيب التي تأسست عام 1956، من أبرز المؤسسات البحثية التي ترتبط بها «معهد شيلواح للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية»، ويحمل اسم روبين شيلواح، «أحد أوائل المستشرقين الإسرائيليين ومن رجال المخابرات الإسرائيلية والرجل الثاني في الوفد الإسرائيلي الذي أجرى مفاوضات الهدنة مع العرب عام 1949»[ص120].
ويتابع المعهد تطورات العالم العربي، و«ويجمع الأعداد اليومية لأكثر من مائتي صحيفة تصدر في الأقطار العربية وبعض الدول المجاورة لها، ولدى المعهد مصادر وفيرة من المعلومات، ابتداء بالصحف والنشرات الطبية الصادرة في هذه الأقطار، وانتهاء بما تبثه محطات الإذاعة العربية، ويذكر أن معهد شيلواح حصل على الكثير من الوثائق المهمة، وصور غالبية المواد البحثية العائدة لمركز الأبحاث الفلسطيني، بعد أن اقتحمته القوات الإسرائيلية إبان غزو لبنان 1982، ونقلت موجوداته إلى فلسطين المحتلة».
ولمعهد شيلواح ستة أقسام يتقن رئيس كل قسم لغة هذا البلد وله دراية باللهجات المختلفة، ويضم كل قسم مجموعة من الباحثين يتقنون اللغة العربية، وقد درج المعهد منذ عام 1960 على إصدار كتاب سنوي عن الشرق الأوسط حل محله تقرير بعنوان «نظرة عامة معاصرة على الشرق الأوسط MECS».
ويقول الباحث إبراهيم عبدالكريم، إن المجلد الثاني عشر من الكتاب قد ظهر عام 1990، كما أصدر «معهد شيلواح» منذ السنوات الأولى لتأسيسه مجموعة كبيرة من الكتب، ألفها مستشرقون وباحثون بارزون، وكذلك يصدر المعهد سلاسل كتب أخرى مختلفة الاهتمام والمحاور.
ويتبع هذا المعهد «مركز موشي ديان»، ويعتمد باحثو «مركز ديان» على معلومات واسعة يوفرها نحو 1300 مجلد من السجلات العربية أعدها قسم التوثيق في المركز، تستعرض المواد الصحفية والتقارير الإذاعية العربية، ومركز ديان غزير الانتاج، ويصدر ثلاث سلاسل، صدر من سلسلة سكيروت حتى عام 1989 ما مجموعة 107 دراسات. أما موضوعات هذه الدراسات فمنها «المعسكر المسيحي على أبواب انتخابات الرئاسة اللبنانية عام 1988»، «الحزب الشيوعي الأردني- تحليل تاريخي»، «الحدود العراقية- الإيرانية»، «تطور الترحيل في الفكر الصهيوني».
ويصدر مركز ديان كذلك سلسلة Current Contents عن الأحداث الجارية، وهي مجلدات دورية تصدر كل شهرين، تتضمن أحياناً، كالمجلد العاشر عام 1989، بيبلوغرافيا شاملة ومقالات باللغات العربية والانجليزية والألمانية والعبرية والفارسية والتركية، ويلجأ المركز إلى تنظيم المؤتمرات والندوات ومنها عام 1988 مثلا «الثورة الإيرانية والعالم الإسلامي» التي شارك فيها البروفيسور برنارد لويس، كما تحدث آخرون فيها عن «الإسلام في العراق» و«العلاقات السورية- الإيرانية»، و«الظاهرة الإسلامية في لبنان» و«الظاهرة الإسلامية في غزة».
ومن محاضرات المركز بحث حول «اليهود في الامبراطورية العثمانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر: ضوء جديد على العلاقات مع السلطات».
ومن المراكز البحثية المهمة الأخرى الملحقة بجامعة تل أبيب «مركز جافى للدراسات الاستراتيجية»، الذي يعتبر «خزان المعلومات الأكاديمي الرئيسي لدى إسرائيل، في مجال اختصاصه»، ويحتل المركز الأول بين مختلف مؤسسات الأبحاث الإسرائيلية من حيث حجم اهتمامه بالشؤون الاستراتيجية المتعلقة بإسرائيل، كما أشرف على مشاريع بحثية واسعة، ويصدر الكثير من الكتب والنشرات، واستضاف العديد من المسؤولين العسكريين.
ومن مراكز البحث كذلك «معهد التخطيط السياسي للعلاقات بين إسرائيل والشتات»، وقد تم استحداثه لإعداد دراسات تعالج مسائل التعاون بين يهود العالم وإسرائيل وكيفية تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، وهناك مؤسسات أخرى ملحقة بجامعة تل أبيب منها «معهد ديفيد هوروفيتش لأبحاث شؤون الدول النامية»، و«المؤسسة الإسرائيلية للتاريخ العسكري» وغيرها.
وهناك أخيراً ثلاث جامعات إسرائيلية ترتبط بها كذلك مراكز ومعاهد للأبحاث! منها «جامعة حيفا»، وقد ظهرت عام 1963، ومن معاهدها «معهد الدراسات الشرق أوسطية»، ويتضمن عدة أقسام منها قسم «دراسات اقتصاد الشرق الأوسط»، و«قسم تاريخ الحكم العثماني في فلسطين»، ويعنى بجمع الوثائق ودراسة الأوضاع والتطورات المنتمية إلى مرحلة ما قبل الانتداب البريطاني، وقد عقد هذا القسم مؤتمراً دوليا في موضوع تخصص. ويعتبر «المركز اليهودي- العربي» الأنشط بين الأقسام التابعة لجامعة حيفا، وتبين قائمة المنشورات الصادرة عنه تشعبا في اهتماماته محليا ودوليا، ومن أبرز الكتب التي نشرها «الانتقام للدم في القبائل البدوية»، «بدء العمل السياسي في الجيش السوري»، «إسلام ووطنية في السودان»، «إيران وشبكة العلاقات مع العرب».
ومن الجامعات جامعة «بار إيلان»، وقد أنشئت عام 1953 بين تل أبيب وبتاح تكفا، وتتبعها دوائر بحثية تنشر دراسات متخصصة في الشؤون اليهودية والقضايا العامة تتسم غالبيتها بطابعها الديني، ومن أبرز هذه الدوائر «معهد دراسة الحركات السرية» الذي أسس عام 1979، ويتخصص بشكل رئيسي في إجراء الأبحاث وجمع المعلومات الخاصة بالتنظيمات التي كانت تشهدها فلسطين في النطاقين العربي واليهودي قبل العام 1948، كما تصدر سلاسل معرفية حول قضايا تاريخية وأدبية ودينية، منها مظاهر الفنون الإسلامية، واليهود في العالم العربي، وعلم اللغات والتصوف وبحوث عن النزاع والإجماع في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ونقف أخيرا عند جامعة بن غوريون في بئر السبع التي تأسست عام 1970، ومن المعاهد البحثية الملحقة بها «الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم والإنسانيات»، وهي تعمل في مجالات البحث العلمي وتقديم المشورة إلى الحكومة في مواضيع معينة، وكذلك الاتصال مع الهيئات الدولية ونشر الأبحاث في العلوم الإنسانية، وقد نشرت عشرات الأبحاث والمجلدات ضمن نطاق اهتمامها، أما المركز الثاني الذي يتبع جامعة بن غوريون فهو «السلطة العليا للأبحاث والتنمية»، وهي تركز جهدها في إصدار ملخصات عن الأبحاث العلمية الإسرائيلية وكيفية الحصول عليها، ومساعدة الباحثين ومعاهد الأبحاث في رفع مستوى أبحاثهم، وأخيرا هناك «اللجنة الأكاديمية الإسرائيلية الخاصة بشؤون الشرق الأوسط»، وقد تأسست عام 1971 بهدف إعداد المعلومات المتعلقة بالصراع العربي- الإسرائيلي، «ووضعها تحت تصرف الأساتذة والمثقفين الأمريكيين والأجانب عموما، لدى زيارتهم فلسطين المحتلة».
ويقول الأستاذ إبراهيم عبدالكريم مؤلف الكتاب أن عدد الأكاديميين الزائرين يبلغ 500 زائر سنويا، «ويتم النظر إلى كل أكاديمي منهم تكسبه السلطات على أنه «سفير لقضية إسرائيل» في البلد الذي أتى منه هذه المعلومات تعود لما قبل عام 1993، كما ذكرنا، وكل هذه المعاهد والمراكز في القطاع الأكاديمي أو الجامعي..وسننظر لاحقا في القطاع الحكومي والأحزاب!!
تاريخ النشر 11/08/2009