حملات محمد علي على الجزيرة العربية
تم النشر في 2008/03/20
إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
اقتنيت اخيراً كتاب «تاريخ الدولة السعودية الاولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية» هذا الكتاب قد الفه فيلكس مانجان، وهو في الاصل جزء من كتاب «تاريخ مصر في عهد محمد علي».
ترجم الكتاب الدكتور محمد خير البقاعي وكانت دارة الملك عبدالعزيز قد اخرجته برقم 153 ويقع الكتاب في خمسمائة صفحة.
يصف الكتاب المعارك التي دارت رحاها في سفوح نجد بالاخص من سنة 1811 حتى سنة 1817 وقد استغرقت هذه الحملات ست سنوات.
قد افنت هذه الحملات كثيراً من زهرة شباب نجد واني اذا اتذكر هذه القصة قبل ان استرسل هذه الحملات:
عندما كنت ادرس في مصر في منتصف القرن الماضي وكانت والدتي وجدتي طرفه ناصر محمد الفرحان قد جاءتا الى مصر لزيارتي والتعرف على هذه البلاد العجيبة مصر وكانت بالنسبة لهما هي فرصة ان تخرجا من الكويت والجزيرة العربية الى افريقيا والى مصر وكنت اطلعهما على معالم القاهرة وذات يوم جئنا الى العتبة فالاوبرا والازبكية وهناك ميدان ابراهيم باشا وسور الازبكية الذي تعرض عليه الكتب المستعملة المعروضة للبيع وكان تمثال ابراهيم باشا وهو على حصان وقد سألتني جدتي (طرفه): من هو هذا الذي يركب الحصان؟ فقلت لها: هذا «ابراهيم باشا» ابن محمد علي احد حكام مصر السابقين.
وفاجأتني جدتي بالبصق على هذا المنظر وكيل الشتائم واللعنات عليه وتقول: متجه الله والى جهنم وبئس المصير ما تعرفه هذا الذي غزا نجد (ذيك السنة) وقتل اخوان ابو جدي فإذا كانت هي طرفه ناصر محمد راشد فرحان سعد الفرحان فإن راشد ابا جدها قد قتل اشقاؤه في هذه المعارك وتقول ان فرحان السعد كان له اربعة ابناء هم عبدالله وفهد وصالح وراشد وقد توجه الثلاثة الاول عبدالله وفهد وصالح للدفاع عن الوطن امام جحافل ابراهيم باشا وبقي راشد لانه صغير وهو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من هذه الاسرة اما الاخوة عبدالله فهد وصالح فقد لاقوا حتفهم على يد ابراهيم باشا وهم يدافعون عن وطنهم، لقد روت لي جدتي هذه القصة وقالت انه لم يسلم الا راشد لانه صغير ونحن من ذرية راشد الذي انجب محمد ومبارك وسعيد وسمى محمد فيما بعد بعض ابنائه بأسماء اعمامه المتوفين وهم بالترتيب: عبدالله، فهد، علي، سعد، صالح وناصر، وقد كانت هذه الجدة من ابناء ناصر لتنقل ــ وقد حفظت ــ قصة مأساة اسرتها من اجدادها وظلت دفينة في قلبها حتى جاءت الصدفة لاكون واياها امام هذا التمثال لابراهيم باشا في ميدانه وتصب هذه الجدة ملايين اللعنات عليه.
وتقول هنا: كيف وصل ابراهيم ابن محمد علي المعروف «ابراهيم باشا» الى الجزيرة العربية وتتوجه الى البداية عندما جهز محمد علي باشا اسطولا مؤلفاً من (15 سفينة صُنعت في القاهرة ونقلت على ظهور الابل الى السويس) قبل فتح قناة السويس ــ وكان بمصر وقتئذ جيش يبلغ خمسة وعشرين الف جندي، ولهذا اختار منهم محمد علي ستة آلاف للتوجه الى الجزيرة العربية لهذه الحملة.
في 3 سبتمبر 1811 تحركت القوات بعد ان عبرت البحر الاحمر متجهة الى ينبع وهنا لم تجد مقاومة لان التحركات في تلك الفترة كان يقود هذه الحملة طوسون وعندما تحركت القوات من ينبع لاقت مقاومة عنيفة وخسرت نصف عددها وبقي ثلاثة آلاف رجل.
في سنة 1813 أرسل محمد علي الى ابنه طوسون مددا عن طريق المدينة واستولى عليها ثم توجه الى مكة المكرمة فسلمت اليه.
في سنة 1814 توفي الامام سعود وتولى القيادة من بعده الامام عبدالله وهو اكبر ابنائه وقد التحم الامام عبدالله بجيش محمد علي وهزمه في هذه المعركة وذلك في سنة 1815.
اضطر محمد علي الى العودة لمصر وترك ابنه طوسون. وهناك بدأ في تنظيم جيش كبير على الطراز الحديث في تلك الفترة، ومصر تملك طاقة بشرية اكثر من الجزيرة العربية، وبهذا ايضا توجه طوسون الى مصر لمساعدة والده في التنظيم والخطط المستقبلية. وكان قبل عودته الى مصر قد عقد صلحا مع الامام عبدالله آل سعود، وكان التكتيك من محمد علي وابنه على ان يبقي قوات في الجزيرة العربية كرأس استعداد لوصول النجدات والقوات المدربة. انيطت قيادة الحملة الثالثة بأخيه الاكبر ابراهيم باشا وفعلا تحركت القوات الى صحراء الجزيرة العربية، لكنها هزمت مرة اخرى، ولكن ابراهيم باشا زاد من المعدات والقوات المساندة، وقد بقي عاما كاملا حتى وصل الى اطراف نجد، وهناك بدأت الامدادات من الاغذية والاطعمة تصل من العراق، ولك ان تعلم انه قد توجه الف وخمسمائة جمل محملة بالمواد التموينية من البصرة من قمح وطحين وتمر وأرز ودهن لهذه القوات، وايضا هناك آلاف من الاغنام التي نقلت من العراق الى هذه القوات لتساعدها على الصمود امام هذه المدن والقرى القفر، وكان الامام عبدالله آل سعود كله صمود وقوة وثبات، وهنا انقل من الكتاب آنف الذكر تاريخ الدولة السعودية الاولى، الصفحتين التاليتين (163 و164):
لقد اصبح فرح ابراهيم بأول نصر يحرزه مضاعفا عندما وصلت قافلة مؤلفة من 1500 جمل محملة بالارز، والشعير، والطحين، ارسلها اليه حاكم البصرة، يقودها احد ضباطه. وشهد اليوم نفسه وصول فرقة من المغاربة، ورجال المدفعية، ومعهم جمال محملة بعجلات المدافع ومساندها، وبمستلزمات اخرى لها. والتحق بالجيش ايضا المرضى والجرحى الذين تركهم ابراهيم باشا في مستشفى شقراء، بعد ان تماثلوا للشفاء بفضل عناية الدكتور جنتيلي، الذي كان يرافقهم.
كما وصلت قوافل ارسلت من المدينة المنورة وعنيزة، تحمل البارود والقنابل، والخبز اليابس، وخمسة آلاف رأس من الغنم، وقمحا، وشعيرا، وزبدة، لقد أصبح الجنود مع وصول هذه المؤن في سعة، بدت عليهم معها آيات البشر والسرور.
بعد وصول هذه النجدات المتتالية أصبحت قوة إبراهيم باشا مضاعفة، خصوصاً المدافع التي أخذت ترمي القرى من دون تمييز والتي لا يعرفها أهل نجد جاء مندوب من الإمام عبدالله يقول لإبراهيم: إن عبدالله بن سعود يطلب إيقاف الحرب، والجلوس للمفاوضات: فأجابه إبراهيم إلى ذلك على الفور.
وبعد بضع ساعات جاء عبدالله بن سعود بنفسه، يرافقه مائتان من أتباعه، إلى خيمة إبراهيم باشا، وقام سكرتيره الخاص (الدفتردار) بتقديمه إليه. كانت تبدو على إبراهيم مظاهر الود، وكان جالساً على أريكة في خيمته، فاقترب عبدالله منه ليقبل يده، ولكنه سحبها تواضعاً، ثم طلب منه الجلوس، وسأله لماذا كان يستمر في الحرب، في حين أن الناس كانوا يطلبون الاستسلام؟ فأجابه عبدالله: «لقد انتهت الحرب الآن، أما ما حدث فقد كان بقضاء الله وقدره». فرد عليه إبراهيم قائلاً: «إذا أردت الاستمرار في الحرب، فإنني سأعطيك البارود والذخائر اللازمة لذلك، فأجاب عبدالله: لا، أيها السيد، لقد نصرك الله (133)، وليس جنودك هم الذين هزموني، ولكن الله كتب عليَّ الهزيمة». وكاد الدمع ينهمر من عينيه، فحاول إبراهيم مواساته، وقال له: إن صروف الدهر أصابت كثيراً من عظماء الرجال قبله. وطلب عبدالله السلام، فأجابه إبراهيم إلى ذلك، ولكنه قال له: إن هناك أمراً لا تصرف لي فيه، وهو بقاؤك في الدرعية، لأن الأوامر الواردة إليَّ من والدي تقضي بإرسالك إلى مصر. أطرق عبدالله هنيهة، طلب بعدها مهلة أربع وعشرين ساعة ليعطي إجابته النهائية في هذا الموضوع. وبعد القهوة التي قدمها إبراهيم لعبدالله بيده، كان الإمام عبدالله قد فدى بلده من الخراب أمام هذه المدافع التي لا قبل له بها وسلم نفسه، حيث نقل إلى مصر عند محمد علي ومن ثم نقل إلى اسطنبول ولقي حتفه هناك.بعد ان وضعت الحرب اوزارها ونقل الإمام الى مصر التفت ابراهيم باشا للانتقام من المساعدين من الامام عبدالله الشيخين احمد الحنبلي وصالح ابن رشيد وهنا انقل ما اورده فيلكس مانجات في كتابه آنف الذكر التالي:
وبعد رحيل عبدالله، امر ابراهيم بالقبض على الشيخين احمد الحنبلي، وصالح ابن رشيد، اللذين سمحا لنفسيهما، عندما جاءا الى معسكره في الرس مبعوثين من عبدالله، بمخاطبته بطريقة غير لائقة، فأمر بخلع اسنان الاول، ووضع الثاني على فوهة المدفع بعد ان امر بضربه بالعصي.
أخيرا، فهذه قصة ومقتطفات من حملات محمد علي على الجزيرة العربية وابراهيم باشا الذي ولد في (قونية) سنة 1790 ــ وتوفي في مصر سنة 1848 توفي قبل محمد علي، ويقال في التاريخ انه ليس من ابناء محمد علي بل هو متبنيه.
هذا هو الذي افنى كثيرا من زهرة شباب نجد والجزيرة العربية، وكان يقول لجنوده الذي يأتيني برأس له مبلغ والذي يأتي بأنف او اذن له مبلغ اقل، هذا الذي كانت جدتي (طرفه) تذكر قصصه وفظائعه التي عملها في نجد بلا رحمة، وكانت تحفظها ابا عن جد، والتي اخذت تلعنه من ميدانه وهو على حصانه في القاهرة حتى وصلنا الى البيت وكانت بعدها ترفض ان تمر في الشارع الذي يقبع فيه هذا التمثال وظلت في كل مرة تذكرني بهذه القصة التي مضى لها في حينها قرابة مائة واربعين سنة.
هذا الابراهيم باشا لم يترك قرية الا وترك لها ذكرى سيئة فيها.
اقول رحم الله الاجداد واهل تلك البلاد الذين حافظوا بها للاحفاد.
القبس الكويت
اترك تعليقًا