البلطجة العلمية…الدكتور البوطي مثالا.
أضيف في :19 – 6 – 2012
“البلطجية”، و”البلاطجة”، و”الشبيحة”، وغيرها من الكلمات، مصطلحات ذات مدلول واحد، وإن اختلف منطوقها، وتعددت لهجاتها بتغير الأمكنة والأزمنة.. فهي في مصر بلطجية، وفي اليمن بلاطجة، وفي سوريا شبيحة…وقد ظهرت هذه الكلمات بقوة وعلا نجمها- رغم قدمها- مع بدايات الربيع العربي الذي غطت نسائمه مساحة كبيرة من وطننا العربي. والبلطجي في اللغة، هو ذلك الشخص الذي يقوم بفرض رأيه بالقوة والسيطرة على الآخرين وإرهابهم والتنكيل بهم؛ بهدف سلب حقوقهم أو أكل أموالهم، أو حتى لمجرد التشفي والانتقام وحب السيطرة، وهو لفظ دارج يعود أصله إلى اللغة التركية، ويتكون من مقطعين: “بلطة” و”جي”؛ أي حامل البلطة، و”البلطة” كما هو معروف أداة للقطع والذبح. و”الشبيح” هي صيغة مبالغة على وزن “فعيل”، وأصل الكلمة مأخوذ من الشَبْح، وهو نوع من أنواع التعذيب، حيث يُعّلق المعتقل وهو مكبل كالذبيحة، أو هو مأخوذ من الشَبَح، على اعتبار أنه يقوم بكل الجرائم تحت سمع وبصر الجميع دون أن يتعرض له أحد أو يراه. ولكل إقليم مصطلحة الخاص به للدلالة على هذا المعنى، فلأهل الأردن مصطلحهم وللموريتانيين مصطلح آخر وهكذا.. وقد انسحب هذا المصطلح حديثا للدلالة على معاوني الأنظمة الفاسدة من أرباب السجون، وأصحاب السوابق الإجرامية، ثم زاد في التوسع للدلالة على كل من عاون أهل الباطل من ذوي السلطة والنفوذ، حتى أصبح عندنا أنواع عدة من البلطجة، كالبلطجة الإعلامية، والبلطجة العسكرية، والبلطجة التشريعية والقانونية، ثم البلطجة العلمية والدينية، والأخيرة يمثلها بعض رجال الدين، ممن نافقوا الحكام، وباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم… وتاريخ بعض الممالك والدول التي قامت على بلداننا الإسلامية حافل بهذا النوع من العلماء، ممن زينوا لأهل الباطل من الحكام والسلاطين باطلهم، وذللوا لهم سبل الغي باسم الدين، وتاجروا بآيات الله لمآرب دنيوية ولحظوظ حزبية، وأكثر من ظهر بينهم هذا النوع من البلطجة، علماء الفرق الضالة والمذاهب الفاسدة. وحديثا مثّل الدكتور البوطي هذا النوع من البلطجة أو التشبيح (على مذهب السوريين)، فسخّر نفسه وعلمه للطاغية بشار ومن قبل للهالك الطاغية الأب، وللحق نقول إن موقف البوطي منذ البداية لم يكن نفاقا صرفا، ذلك لأن الرجل كان يسير وفق قناعاته الخاصة التي ترى في خصوم حكم أسرة الأسد، خصوما لمذهبه الأشعري المتخلط بخرافات الصوفية وبدع أخرى. فقد ظهر البوطي منذ البداية في صورة الفارس النبيل الذي يحارب قوى الظلام والرجعية (من وجهة نظره)، والتي تتمثل في حركات الإسلام السياسي المنادية بالتحرر وعودة الخلافة، والتيار السلفي المنادي بالإصلاح الديني، وفهم القرآن والسنة بفهم السلف الصالح… هذا ما كان عليه البوطي منذ البداية، والرجل لم يغير هذا الموقف حتى الآن، لكنه أصبح موقفا فجّا وقبيحا، سيما في ظل المذابح التي يرتكبها الغر المدلل بشار وشبيحته، والتي لعب فيها البوطي دور المُحلل –من تحليل الشيء أي جعله حلالا ومباحا- إما بصمته أحيانا، أو بدعمه بالقول والفعل واللسان أحيانا أخرى. والحديث عن عوار وفساد منهج البوطي العلمي أمره يطول، وليس هذا مكانه، وإنما حديثنا الآن عن سبل دعمه –وتشبيحه- لبشار لوئد ثورة الشعب السوري الحر، ذلك الشعب الذي يحكم بنظام لا يعرف الله منذ ما يقرب من أربعين عاما. فمن تشبيحه، وصفه لثوار سوريا الشرفاء بـ”الثلة الحثالة”، مدعيا أنهم متآمرون نظير أجر، وتحريضه الدائم والمستمر على مواجهتهم….معتبرا أن رايتهم راية عمية، أما راية بشار(النصيري) راية ربانية..!! ثم أنه يربط بين دين الإسلام وبين النظام النصيري الكافر، مدعيا أن كل من يقاوم النظام الحالي ما يريد إلا هدم الإسلام، فقال نصا: “تبين أن الكثير ممن يرفعون الشعارات في الشوارع انطلاقاً من عند الجوامع لا يقيمون للدين وزناً، وقد حاولوا استخدام المساجد شر استخدام، وهذا يدل على أن قلوبهم فارغة من تقدير الدين والإسلام، ومن الارتباط بالله جل جلاله”. وأضاف: “بعد أن حاورت بعض هؤلاء الذين يطالبون بإسقاط النظام… أنتم لا تطالبون بإسقاط النظام إنما بإسقاط الإسلام”. وقد أفتى البوطي بجواز الصلاة على صورة بشار الأسد ردا على سؤال وُجه له عبر موقع نسيم الشام وقال البوطي في فتوى حملت الرقم 15449 ردا على سؤال لسائل يسأل عن حكم الإثم الذي لحقهم بعد إجبار الأمن لهم بالسجود على صورة بشار، قال: “اعتبر صورة بشار بساطا.. ثم اسجد فوقه”. وبحسب موقع “زمان الوصل” فإن سؤالا وجّه للبوطي في موقع نسيم الشام، وجاء في السؤال: “ما حكم توحيد غير الله قسرا كما يحدث في فروع الأمن عند الاعتقال وإجبارهم على القول أن بشار الأسد إلهنا وربنا”، فجاء الرد بحسب الفتوى رقم 14658 إن ذلك يحدث بسبب خروج هذا الشخص مع المسيرات إلى الشارع والهتاف بإسقاط النظام وسبّ رئيسه والدعوة إلى رحيله، ونص كلام البوطي الآتي، قال:”لماذا لا تسألني عن هذا السبب وحكمه وموقف رسول الله من هذا العمل؟ ألا تعلم – والمفروض أنك تقرأ القرآن- أن الله نهى المسلمين على استثارة المشركين بسب أصنامهم، ولم يتحدث عن سب المشركين لله نتيجة لذلك؟ لماذا الإصرار على مخالفة أمر الله وأمر رسول الله، ثم التشدق بعد ذلك بالسؤال عن حكم الإسلام في حق النتيجة التي انبثقت عن هذه المخالفة؟!.. استجيبوا لأمر رسول الله القائل في حق مثل هذه الفتنة (عليك بخاصة نفسك) ثم انظروا هل ستجدون من يلاحقكم إلى بيوتكم ويجبركم على النطق بهذا الكفر؟” وكان البوطي في فتوى سابقة لم يحرم إطلاق النار على المتظاهرين ردا على جندي يسأله عن حكم إطلاق النار على المتظاهرين فأجاب بأنه: “إذا علم المجند أنه تسبب بقتل فعليه الدية للورثة؛ وأن يصوم شهرين وإن لم يستطع فإطعام فقير لمدة شهرين، أما إن كان تسبب المجند بجروح فله أن يدعو الله أن يسامحه أصحاب العلاقة”، وجاءت الفتوى في نفس الموقع المذكور وحملت الرقم 14375. وفي خطبه من خطبه النفاقية أفتى بقتل كل من يثور على بشار بحجة أنه إرهابي استناداً لقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) وجاء بتفسير جديد للآية لم يقل به أحد قبله، مشيرا إلى أن الإرهاب الإجرامي ليس له حل إلا الإرهاب العقابي… ولم يكتفي بذلك بل شبه المجرم بشار بصلاح الدين ونور الدين زنكي !! وكان آخر ما نما إلينا من بلطجة وتشبيح علمي للبوطي ما عُرض له ضمن المراجعات التي تبثها قناة الحوار اللندنية تحت عنوان (مع البوطي) رؤيته للحديث النبوي الشريف المتعلق بـ”الفرقة الناجية”، وتتناول هذه السلسلة من الحلقات ذكريات البوطي مع العلم والدعوة، وفي معرض تناوله لحديث الفرقة الناجية أخذ البوطي يلوي عنق النص ليحيل المقصود بـ(ستفترق أمتي) من أمة الإجابة (المسلمين) إلى أمة الدعوة (البشر)، وذكرت شبكة “المثقف الجديد” أن البوطي كان يهدف من ذلك إلى إدخال الطائفة العلوية الحاكمة في سوريا ضمن الفرقة الناجية وهو تفسير لم يقل به أحد من علماء المسلمين. وهكذا سّخر الرجل كل ما أوتي من جدل للتخديم على صنم النصيرية (بشار)، ولمساندته في كل أفعاله وأقواله، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان)، فالبوطي رجل عليم اللسان، لكلامه حلاوة ولأسلوبه سحر وطلاوة، ومن ثم خدع من خدع وأضل من ضل، لكن أمره بان وانكشف، سيما في ظل أحداث سوريا الأخيرة التي تَعرَّى فيها أمام للقاصي والداني، فتفرق عنه غالب من كانوا معه، ولم يبق سواه مع ثلة ممن باعوا ضمائرهم للشيطان والسلطان، فنسأل أن يرينا فيه وفي بشار وحزبه يوما أسودا، يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته ممن نافقوا وكفروا وصدوا عن سبيل الله. المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
اترك تعليقًا