واقعنا الطائفي يتعارض مع النظام الدستوري!.. ياسر الصالح متعجباً
الكويتية
الساحة الشيعية المحلية
د. ياسر الصالح
رغم أن نظامنا الدستوري لا يتبنى الفرز الطائفي ويضع المواطنة المجردة كأساس للتمايز، إلا أن الواقع العملي الممارس يحاول دائما أن يستكشف ويستشعر اللون الطائفي بدقة كبيرة لأفراد المجتمع بدرجة لا تكاد تخطئ إلا نادرا، ويتم بعدها التمييز في التعامل بناء على هذا التشخيص، ونحن هنا نتحدث عن الواقع الرسمي التنفيذي وليس الاجتماعي، مما يعني وجود واقع طائفي يتعارض مع النظام الدستوري، ومن المؤشرات عليه أن الكل في البلد يعرف حصة الشيعة في الحكومة، ونوعية الوزارات التي سيتقلدونها، فإذا زاد العدد لظروف معينة لفت ذلك الانتباه العام واستدعى التفسيرات والاجتهادات، وهذا هو المؤشر الأوضح والقدوة، وينجر ذلك على جوانب الواقع الرسمي في الوزارات والمؤسسات والقطاعات المختلفة.
هذا الواقع التمييزي أوجد واقعا يتجاوب معه داخل الساحة الشيعية له طابع التنافسية في الحصول على التمثيل الأكبر للطائفة في هذا الوضع الرسمي غير الدستوري، وقد ظهر انعكاس هذا التنافس بشكل أوضح في بعض الفترات منه عن فترات أخرى، كما حدث في الحراك الشعبي في فترة الثمانينيات متمثلا بحركة «الشباب» وبوادر تشكيل التيارات والتكتلات التي سحبت التمثيل فيما بعد من الوجاهات الشيعية التقليدية آنذاك، ويمكننا ملاحظة بوادر حراك تنافسي مفصلي آخر يبرز حاليا بعد مظاهر الضعف التي أصابت التيارات السياسية التقليدية وظهور قوى شعبية أخرى غالبيتها من المستقلين.
لقد بدأ يظهر في الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي التقليدية والإلكترونية نقاشات تتحدث عن شرعية التمثيل الشيعي، ومن يحق له التحدث باسم الطائفة وتمثيلها في النظام الرسمي غير الدستوري، وتتحدث هذه المناقشات في بعض جوانبها -تصريحا وتلميحا- عن «اغتصاب» التمثيل من قبل فئة دون أن يكون لها حق، وهذه النقاشات التي تمثل بوادر لحراك ما كانت لتظهر لو كانت الاصطفافات الشعبية محسومة وواضحة، وهناك مؤشرات لتطور هذا الحراك ودخول فعاليات أكاديمية وناشطة مهمة فيه، مما يمكن أن يعيد تشكيل الساحة وتمثيلها.
هناك بعض القوى في الساحة الشيعية ممن يدعو في خطابه للوحدة الوطنية ويعتبرها أولوية، ولكن المراقب يستطيع أن يستشف من بعض الممارسات المستقرة بأن هذه الجهات تتعامل بمنطق المنافسة والمغالبة في الساحة الطائفية الداخلية، مما يعطي انطباعا بتناقض خطابها مع واقعها.
من يدعي من هذه القوى أنه يعمل على الوحدة يستطيع أن يستشف من أجواء التوجس وعدم الثقة أو عدم الارتياح التي تعكسها النقاشات الشعبية بأن الساحة الشعبية ترى فجوة بين الادعاء والممارسة، مما يدل على غياب أو فشل الخطوات «التوحيدية» المدعاة، فأجواء «وقف إطلاق النار» الإعلامي والاجتماعي التي عمل عليها واستمرت لفترة لا يمكن اتخاذها مرحلة للإستقرار والمكوث، فهي بطبيعتها غير مستقرة، بل يجب أن تكون جسرا لمرحلة أكثر استقرارا يكون قوامها بناء الثقة الذي يحتاج إلى الشراكة في خطوات عملية منتجة ذات قيمة فعلية، وليس شكلية تستبطن الحاجة للثقة، مما سيؤدي في حال نجاح هذه الخطوات لبناء ثقة حقيقية، وينبغي أن تستمر هذه الخطوات ويتم تطويرها تدريجيا تصاعديا كما ونوعا، ولنا في التجربة في الساحة اللبنانية المشابهة في هذا المجال مثلا.. وإلا فسيكون الادعاء للعمل من أجل الوحدة هو فقط مجرد ادعاء، وسيحدث ما نشاهده الآن من رجوع الأوضاع التدريجي للحال الذي سبق مرحلة «وقف إطلاق النار» الإعلامي والاجتماعي.
اترك تعليقًا