د.شافي العجمي يرد على د.طارق السويدان 1 – 3
هل تقبل أن تعرض نفسك على لجنة أعضاؤها د.عجيل النشمي ود.يوسف القرضاوي ود.علي القرة داغي؟!
2012/05/19
الهروب من الديكتاتورية ولعنها وفضحها لا يعني قبول الحرية الغربية وتصديقها
النظر في كتب العلماء وفهم بعضها لا يكفي للوصول لمرتبة الاجتهاد
أثار المفكر الإسلامي والداعية د.طارق السويدان في توضيحه أمس العديد من القضايا كالحرية الفكرية وحد الردة وغيرها من الأمور المثيرة للجدل.
وقد تلقت «الوطن» هذا الرد على ما جاء به د.طارق السويدان من أمين رابطة علماء الشريعة في الخليج د.شافي العجمي، الذي يفتح المجال واسعا أمام حوار فكري رحب، يلتزم فيه المتحاورون بآداب الخلاف، ويتحاورون من مواقع الاحترام المتبادل.
وقد جاء رد د.شافي العجمي على ثلاثة أجزاء ننشرها تباعا، وفيما يلي نص الرد:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الحديث عن الحرية وما يتعلق بها من تفصيل أحكامها وبيان حدودها وآثارها وتاريخها يستحق النظر والرعاية ولاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه التحديات وتنازعت فيه الأهواء والشهوات واضطربت فيه رسوم المجتهدين بالمقلدين وتحير فيه الباحثون عن الحق والجاهلون، ومع شدة الحاجة واضطراب الأفهام في تنزيل النصوص والآثار والوقائع على مستجدات زماننا الا أنك تلتمس بيانا يشفي العليل ويروي الغليل فلا تكاد تجده.
لقد أثار أخي الدكتور طارق السويدان وفقه الله قضية كبرى ونازلة عظمى من نوازل المسلمين السياسية التي لم تكن معهودة فيما سبق ألا وهي (حكم الحرية الدينية) ومن ذلك حكم المرتد، ومن المعلوم ان الدول العربية لم تكن قبل مائة سنة تحتكم الى الديموقراطية ولا تعرف الأحزاب الليبرالية أو العلمانية أو الاشتراكية ولا تحسن النظر في العلاقات الدولية، وغاية ما عندهم ثلاثة أنواع من المسؤولين وهم: الهداة والقضاة والولاة فالهداة يبينون والقضاة يحكمون والولاة ينفذون، وكان يترتب على ذلك سيادة الحق وشمول العدل وانطماس الظلم والجهل، وان كان يقع في ذلك ما يقع من اصابة الحق أحيانا والباطل أحيانا لما يجري في النفوس من الظلم والجهل المنافي للعلم والعدل، وكانوا بحاجة ماسة لمعرفة النقلة النوعية للسياسة الدولية والمنظمات العالمية لتنزيل أحكام الشرع على هذا المستجد ولكن المحاولات الموجودة لم تكن على مستوى النازلة فخاض الناس في فروع هذه المسائل العويصة لما لم يجدوا بيانا شافيا.
أخي الدكتور طارق السويدان:
سيكون حديثي معك في ثلاث مقدمات وسبعة مباحث فأرعني سمعك واصبر علي حتى أخبرك عن ما في نفسي وهب لي حرية في العرض بفارغ الذهن لكي لا يحول الظن بيني وبينك، وأرجو ألا تحملني أوزار غيري ممن ينتمون للمدارس الفكرية المعاصرة فليس بيني وبينك الا الحوار والرأي.
المقدمة الأولى:
لقد فرقت بين الفقيه وبين التمييز بين آراء الفقهاء فنفيت عن نفسك الأول وأثبت الثاني.
وجوابي هو:
لقد نزلت معتركا صعبا وخضت البحر الخضم وأدليت دلوك في بئر عميقة قعرها بعيد منالها فلو أنك أحلت الى غيرك ونسبت القول الى علماء الأزهر لقيل لك:
لا ينسب الى مقلد قول، ولا جدال مع مقلد، ولكنك أخذت تستدل وتستنبط وتناقش وترد وتأخذ من هذا الرأي وتدع من ذاك وهذا لعمري سبيل المجتهدين ومسلك العلماء الراسخين، ولا حرج على من وثق في علمه ان يخوض غمار الاجتهاد اذا ملك آلته وقدر على مسلكه، ولا يخفى عليكم ان النظر في كتب العلماء وفهم بعضها لا يكفي للوصول لمرتبة الاجتهاد كما ان قراءة كتب الادارة لا تكفي للوصول لمرحلة الاجتهاد في الادارة.
دليل ذلك قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فالآية قسمت الناس قسمين لا ثالث لهما سائل ومسؤول، ولا أظن الدكتور طارق يقول انه مسؤول ولكنه سيقول أنا سائل، والسائل يلزمه السؤال فيما أشكل عليه وينسب الرأي الى أهله دون ان يستدل ويستنبط ويناقش وانما عليه السؤال فقط لأنه لا يملك القدرة العلمية على الجواب.
دليل ثاني: قوله تعالى: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، فالآية قسمت المخاطبين الى راد ومردود اليه فأمرت الناس ان يردوا الأمر الى أهله وهم رسول الله وصحابته العارفون بحكمه، ولم يأمرهم ان يردوه الى غيرهم وان كان عارفا بشيء من كلامهم أو يستطيع التمييز بين بعض كلامهم.
دليل ثالث من العقل: وهو انقسام الناس في كل العلوم الى عالم وجاهل والجاهل يسأل العالم فان أشكل عليه قول عالمين فانه يسأل ثالثا وليس له ان يقارن بين كلامهم كما ان المريض يسأل الطبيب وليس له ان يقارن بين كلام الأطباء ويميز بين كلامهم وكذلك النجار والحداد والمهندس وسائر أهل الصناعات والتخصصات، ولو فتحنا هذا الباب لفسدت أحوال الناس وضاعت الحقوق، وتخيل لو ان الناس ذهبوا الى القاضي وسمعوا رأيه ثم قالوا نستطيع ان نميز بين أقوال القضاة فنأخذ هذا وندع هذا.
وتخيل لو ان الناس قالوا نستطيع ان نميز بين أقوال اهل الادارة فنأخذ هذا وندع هذا وننظم ادارتنا دون الحاجة لسؤال المتخصصين.
أخي الدكتور طارق: أنت تقول أنك تستطيع التمييز بين آراء الفقهاء ثم ناقشت واستنبطت ورددت على بعض الأقوال فهل تجيز لغيرك ان يفعل مثلك في علم الادارة، ثم ان ضوابط المميز بين أقوال الفقهاء غير معلومة ولا مطردة فما هي صفات المميز وشروطه ومن يثبت له أنه وصل لمرحلة التمييز.
أخي الدكتور طارق رعاك الله: ان فهم النص والعمل به شيء واستنباط الحكم الدقيق ومناقشة الفقهاء في ذلك شيء آخر فالمسلم مكلف بالقراءة والنظر والفهم والعمل بما فهمه من أصول الدين مثل صفة الصلاة والصوم والزكاة والحج والبيوع والنكاح والجهاد ونحو ذلك من أصول الاسلام ولا يلزمه ان يسأل عالما في كل شيء من دينه فدين الله بين ظاهر لا خفاء فيه وليس عندنا رجال دين يمتلكون حق تفسير القرآن والسنة فقط وذلك ان الوحي فيه ما هو ظاهر لكل من قرأه وفيه ما لا يعلمه الا العلماء وفيه ما لا يعلمه الا الله وفيه ما تعلمه العرب من كلامها كما قال ذلك ابن عباس في تفسير الطبري، ولقد قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، وقد دعا الله الناس لتدبر كتابه في أربعة مواطن فقال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ولعلهم يتذكرون} وقال سبحانه {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} وقال عز وجل: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} وقال سبحانه: {أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين}. ونادى في مواضع كثيرة الى تعقل القرآن وتذكره والنظر فيه وتفقهه وتعلمه، وهذا يقتضي تيسير فهمه لكل من يفهم لغة العرب، وغالب آيات القرآن مما يدركها كل قارئ، وأما الاستدلال بآيات القرآن على نازلة ما أو استنباط حكم فقهي على شيء فهذا يوجب فقها خاصا له شروط مذكورة في كتب الأصوليين، وأما التقليد فهو خاص لأهل الاجتهاد من كل فن فمن أراد ان يقلد عالما في تفسير القرآن فعليه ان يسأل أهل التفسير ومن أراد ان يقلد عالما في الفقه فعليه ان يقلد عالما في الفقه وهكذا، وقد يجتمع الأمران في عالم واحد.
باب الاجتهاد
أخي الدكتور طارق لقد عانت الأمة الاسلامية من اغلاق باب الاجتهاد قرونا متطاولة ثم عانت في هذه المائة الأخيرة من كسر باب الاجتهاد وشتان بين الاجتهادين: فالأول كان يحفظ الحق لأهله ولا يكاد يضيع منه شيء الا في مسائل قليلة لا تكاد تصل الى عشر معشار المسائل المبحوثة عند الفقهاء المجتهدين، وأما كسر باب الاجتهاد فقد جر الويلات والنكبات على صروح الاسلام وعلومه فتطاول العلمانيون والليبراليون والمثقفون والباحثون على نصوص الوحي فبدؤوا يفسرون القرآن بما فهموه من أذهانهم الكالة وعقولهم الضعيفة وجعلوا يعرضون نصوص البخاري ومسلم على أوضاعهم وسياستهم فيقبلون منها ويتركون، وأعطوا لأنفسهم حق النظر في نصوص الفقهاء لأخذ ما شاؤوا وترك ما شاؤوا فنشأ فينا تراث ممسوخ يشبه الياسق الجنكيزي حين احتل التتار بلاد المسلمين فانهم أعطوا لأنفسهم الحق في النظر في التوراة والانجيل والقرآن وصياغة نظام جديد يوافق أهواءهم وجهلهم.
أخي الدكتور طارق: هل يجوز شرعا وعقلا ان يقارن الباحث في العلوم الاسلامية بين نصوص المفسرين والفقهاء والعلماء وهو لا يعرف أصول اللغة والنحو ولا يفرق بين النحو والصرف ولا يعرف الفرق بين أل العهدية والجنسية والفرق بين لا الناهية والنافية وأن المشددة والمخففة، وغاية ما يعرفه هو المبتدأ والخبر والفعل والفاعل، ان الجهل باللغة يمنع الباحث من التمييز بين أقوال أهل اللغة، وان من يزعم أنه قادر على التمييز بين كلام أهل اللغة والترجيح بينه ان يعرض نفسه على أهل التخصص ليحكموا فيه وينزل على رأيهم.
أخي الدكتور طارق: ان التمييز بين أقوال الفقهاء والمقارنة بينها تستوجب فهم كلامهم وأصولهم ودراسة ذلك، وان من يدعي أنه بصير بأقوال الفقهاء ان يثبت ذلك بدليله والبينة على المدعي، وهل يقبل من كل مدع أنه عارف بأقوال الفقهاء ويستطيع ان يميز بين أقوالهم، وهل يقبل الأطباء من يقارن بين أقوالهم وهو أجنبي عنهم لم يعتكف على علومهم ولم يتلق العلم عندهم طويلا وانما طالع كتبهم وقرأ فيها، أليس في هذا جناية على أهل التخصص، وهل يقبل الدكتور طارق ان يقول باحث أستطيع ان أميز بين كلام أهل التخصص الاداري بمجرد أنه قرأ عدة كتب في الادارة وله مطالعات قديمة في التراث الاداري.
لجنة فقهية
إن من يزعم أنه قادر على التمييز بين أقوال الفقهاء والمفسرين ان يعرض نفسه على المتخصصين ليجيزوه أو يمنعوه، فهل يقبل الدكتور طارق السويدان ان يعرض نفسه على لجنة فقهية لتبين له هل هو قادر على التمييز بين أقوال الفقهاء أو غير قادر، ونصيحتي ان يكون أعضاء اللجنة ممن يقبل منهم الدكتور طارق السويدان مثل الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور عجيل النشمي والدكتور على القره داغي، ولا أظن أحدا في زماننا يشك في النضج الفقهي لهؤلاء العلماء.
أخي الدكتور طارق: كان الطالب اذا أراد علما ذهب الى أهله وأخذ العلم عندهم ثم يذهب الى اهل علم آخرين ويتعلم منهم وهكذا استمر الحال حتى صار التخصص عندنا يقتضي اعداد رسالة علمية تدل على معرفة الباحث بهذا التخصص، والرسالة العلمية قرينة على معرفة هذا الباحث بهذا التخصص.
وأما الدليل على معرفة الفقه فلا يخلو من ثلاثة أدلة:
أولها تأليف كتاب فقهي يعبر عن معرفة المؤلف بالفقه.
وثانيها: ثناء الفقهاء عليه وتزكيتهم له ولو لم يؤلف في الفقه كتابا.
وثالثها: تدريسه للفقه وتعليمه لغيره.
وما سوى ذلك من الشهادات والقراءات فهي قرائن يستدل لها ولا يستدل بها.
المقدمة الثانية:
ان النظر في أحوال زماننا وما يصلح لها ومعرفة ما يناسب أوضاعنا وما لا يناسبها يخضع للسياسة الشرعية التي تراعي الممكن والصعب والمفضول والفاضل والخاص والعام وتعارض المصالح والمفاسد كتعارض المصلحة الخاصة مع المفسدة والعامة وتعارض المصلحة العاجلة مع المصلحة الآجلة وتعارض المفسدة المؤقتة على المفسدة الدائمة وتعارض المصلحة الحاجية للمفسدة الضرورية، وكل ذلك يخضع لنظر دقيق من أهل التخصص لاستنباط حكم مناسب يراعي ما سبق.
لقد قصرنا كثيرا في باب السياسة الشرعية لعدة أسباب تعود الى أهل العلم أولا وتعود الى السلطة التنفيذية ثانيا ولكن ذلك لا يبرر ان يتسور أحد على هذا العلم فيستنبط فيه ويحلل ويحرم بل الواجب على السائل والمقلد ان يسأل أهل العلم ويسترشد بآرائهم وليس له ان يستفتي في السياسة الشرعية من ليس متخصصا في الفقه أو ليس متخصصا في السياسة الشرعية.
المقدمة الثالثة: حكم الحرية
لقد توارد أهل العلم في مصنفاتهم على تعريف كل لفظ يدل على أحكام كثيرة لكي يعرفوا ما يدخل فيه وما لا يدخل فيه، ولاسيما في زماننا الذي يصدق عليه (زمان حرب المصطلحات) وهي حرب قديمة بدأت حين قال ابليس لآدم: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ويريد بذلك ان يخرجه من الجنة، وحين قال قوم نوح: ما نراك الا بشرا مثلنا ويريدون بذلك نفي النبوة.
وان مصطلح الحرية من أشكل المصطلحات الغربية التي لم يجدوا لها تعريفا محددا ولذلك يقول مونتسكيو في روح الشرائح في الباب الحادي عشر في الفصل الثاني: لا تجد كالحرية كلمة دلت على معان مختلفة ووقفت النفوس بأساليب مختلفة. ولذلك قال أيضا في الفصل الخامس عشر: سوء استعمال الحرية ثم قال: أدت منافع الحرية العظيمة الى سوء استعمال الحرية نفسها.
ولا أظن الدكتور طارق السويدان يجهل التعريف بمونتسكيو الذي عاش في القرن السابع عشر والثامن عشر ميلادي وهو أول فقيه دستوري للدستور الفرنسي والذي استفادت منه الدساتير العالمية بعد ذلك.
ولا شك ان الحرية مأخوذة من الانسان الحر ومعناه الذي لم يسبق له رق أو عبودية وهذا من التعريف اللفظي الذي يعرفه الناس في القرون الثلاثة المفضلة وليس من التعريف الرسمي أو الحقيقي القائم على الجنس والفصل أو الخاصة والمقصود من التعريف التمييز بين الأشياء، ولكن الذين يطلقون هذا اللفظ يريدون منه معنى آخر من حرية التصرفات والمعتقدات وفي ذلك تفصيل طويل، والشريعة تفرق بين المسلم والكافر والكفار أنواع فمنهم الذمي والمعاهد والمستأمن والحربي، وحرية المسلم في تصرفاته ومعتقداته تختلف عن حرية الكافر في تصرفاته ومعتقداته، وهذا هو الحد الفاصل بين الحرية في الشريعة الاسلامية والحرية في الأنظمة العلمانية، والتي أخذت الحرية الغربية بعجرها وبجرها وغثها وسمينها وحلوها ومرها فلم تميز بين كل ذلك فصارت كحاطب ليل.
والحديث عن الحرية يشمل الحرية الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا شك ان معرفة التعريف الشرعي لهذه الحريات من أهم المهمات ولا يسع المقام لتفصيل كل حرية ولكنها اشارة ليتعرف الناظر في هذه المقدمة الى ضرورة التمييز بين المصطلحات ورد الفروع الى أصولها.
أخي الدكتور طارق السويدان: بارك الله فيك: ان الهروب من الدكتاتورية ولعنها وفضحها لا يعني قبول الحرية الغربية وتصديقها والفرح بها ولكن العدل في كل شيء مطلوب.
وعلاقتنا مع غير المسلمين تقوم على أسس:
الأول: علاقة بيان للحق ودعوة لهدم الباطل الذي عندهم والقرآن مليء بهذا.
الثاني: الاستفادة من خبرتهم الدنيوية وتجاربهم الصحيحة والسنة النبوية مليئة بهذا كما في استخدام الأسلحة والخندق والبناء ونحو ذلك.
الثالث: تعاون على المصالح المشتركة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة مع اليهود في وثيقة المدينة التي يقول ابن حجر العسقلاني ان لها أصلا، وكما في غزوة الخندق وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول: لقد شهدت مع أهلي حلفا في الجاهلية لو دعيت اليه في الاسلام لقبلت.
الرابع: ابرام العهود والمواثيق لحفظ الحقوق وتوزيع الواجبات الدولية.
الخامس: علاقة قتال وحرب اذا توفرت شروطه وانتفت موانعه.
وبعد هذا نعرف ان مصطلح الحرية لم يضبطه الا أهل الشريعة الاسلامية فضبطوا حرية التصرفات وحرية المعتقدات وأعطوا كل شيء حقه من غير زيادة ولا نقصان.
هذه المقدمات الثلاث أراها مهمة قبل الدخول في نقاش المباحث العلمية لأن الموافقة عليها واستقرارها يعين على فهم المباحث القادمة.
وفقك الله لكل خير وبارك الله ووفقني واياك وكل مسلم لكل خير.
===============
د.شافي العجمي يرد على د.طارق السويدان (2 من 3)
السب والشتم قد يكون أهون من الاعتراض على الله ورسوله
2012/05/20
المدافع عن المرتد والمحلل للردة.. مرتد ولا يجوز العفو عنه
صفع صحابي يهودياً لأنه فضل موسى على رسول الله فأقره النبي على ذلك ولم يقتص منه
اليهود والنصارى يُمنعون من بناء الكنائس والبيع والصوامع في بلاد المسلمين
هل نسمح بنشر السحر والربا والزنى من باب حرية الرأي والتعبير؟
المدافع عن المرتد والمحلل للردة.. مرتد
اليهود والنصارى ممنوعون من بناء الكنائس والبيع والصوامع في بلاد الإسلام
بعد ان رد الداعية والمفكر الاسلامي د.طارق السويدان على مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الذي وصف كلام د. السويدان بـ«السفه والردة».. محترزا بقوله «ان كان قد قاله» وتوضيح د.طارق السويدان بان ما نقل للشيخ آل الشيخ عنه غير صحيح، منوها بان الاعتراض على الله ورسوله بدون سب او تجاوز لا يستوجب العقاب في الدنيا وانما التوضيح والفهم، وانه لا حد للردة في الاسلام، دخل امين سر رابطة علماء الشريعة في الخليج د.شافي العجمي على خط الحوار ليدعو في الحلقة الاولى من رده د.السويدان الى ان يعرض نفسه على لجنة فقهية اعضاؤها د.عجيل النشمي ود.يوسف القرضاوي ود.علي القره داغي.
ويواصل د.شافي العجمي في الحلقة الثانية من رده توضيح الموقف الشرعي من اطروحات د. طارق السويدان، وفيما يلي نص الرد:
المبحث الأول: تحرير محل النزاع
1 – يتفق الجميع على ان المرتد كافر كفرا صريحا وليس له حرية في ذلك بخلاف قول المبطلين.
2 – يتفق الجميع على ان الدولة الاسلامية يجب عليها ان تمنع كل مظاهر الردة ولا تبيح لأحد أو تسهل عليه الردة أو تحميه بقانون.
3 – يتفق الجميع على ان المدافع عن المرتد مرتد والمحلل للردة مرتد.
4 – يتفق الجميع على ان أهل العلم الفقهاء هم المعنيون بالفتوى في الردة وهم الذين يميزون بين المرتد وغيره وهم الذين يحققون المناط في موانع الردة.
5 – يتفق الجميع على ان رمي الناس بالكفر بلا بينة ولا ثبت من ورطات الأمور وليس لآحاد الناس ان يحكموا على من خالفهم بالردة.
6 – يتفق الجميع على ان اخراج الناس من الدين بلا برهان يستوي في البطلان مع ادخال الناس الى الدين بلا برهان.
7 – يتفق الجميع على وجوب بيان الحق للمرتد ونصحه واقامة الحجة عليه.
8 – اتفق الفقهاء على ان المرتد سواء أكان رجلا أو امرأة حربيا أو غيره معاقب بعقوبة تليق به ولا يجوز للدولة ان تعفو عنه أو تدافع عنه أو تأذن له ليعلن ردته ونحو ذلك.
9 – اتفق الفقهاء على ان منع استدامة نكاح المرتد أو المرتدة مع اختلافهم حول انتظار العدة أو الفسخ.
والاستطراد فيما اتفق الفقهاء حوله كثير ويمكن الرجوع الى مصنفات الفقهاء.
اختلف الفقهاء في مسائل من الردة منها:
1 – استتابة المرتد: فقال الحنفية باستحباب استتابته وقال المالكية والشافعية والحنابلة بوجوب استتابته واختلفوا في استتابة ساب الله ورسوله.
2 – ردة المرأة: وهل توجب القتل أو الحبس فقال الحنفية بحبسها قياسا على ان المرأة التي لا تقاتل في المعركة فانها لا تقتل قال القدوري في الكتاب (وأما المرأة اذا ارتدت فلا تقتل)، لنهيه صلى اللّه عليه وسلم عن قتل النساء، من غير تفرقة بين الكافرة الأصلية والمرتدة (ولكن تحبس حتى تسلم)، وقال الجمهور بقتلها.
وهناك مسائل أخرى يطول حصرها ويمكن الرجوع فيها الى الكتب الفقهية.
المبحث الثاني: اعتراض الكفار واليهود والمنافقين على الله عز وجل
تحرير المسألة:
سيكون الحديث عن الكفار واليهود منفصلا عن الحديث عن المنافقين لأن السيرة النبوية جاءت ببيان هؤلاء وهؤلاء:
ينقسم الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم أربعة أقسام:
1 – أهل الحرب.
2 – أهل الذمة.
3 – أهل العهد.
4 – المستأمنون.
واعتراض كل فريق ينقسم الى قسمين:
1 – اعتراض ظاهر: وذلك بأن يعلن اعتراضه على مسامع الناس أو يظهر شعائر دينه.
2 – اعتراض باطن: وذلك بأن يسر باعتراضه في معبده أو بيته ونحو ذلك.
أما اعتراض الكفار المحاربين فلا يقبل منهم اعتراضهم مطلقا ولا يقرون عليه بل يجب قتلهم على الدولة الاسلامية القادرة لأنهم حاربوا المسلمين.
وأما اعتراض أهل الذمة وأهل العهد والمستأمنين فلا يقبل منهم اعلان الكفر على مسامع الناس أو اظهار شعائرهم أمام المسلمين بخلاف تعبدهم في الكنائس أو في بيوتهم ومثله شربهم للخمر فانهم لا يعاقبون عليه اذا أسروا به وليس لهم ان يظهروا ذلك أمام المسلمين.
ودليل ذلك:أن النبي صلى الله عليه وسلم عاقب اليهود على الزنى كما في البخاري ومسلم من حديث ابن عمر وقد قال تعالى عن اليهود: سماعون للكذب أكالون للسحت فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين.
وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية حين زنيا ورجم الصحابة معه، وقد اشتهر عند أهل العلم الشروط العمرية على أهل الذمة وسأسوقها لك لتنظر فيها وتعلم ان اعلان أهل الذمة للمنكر واعتراضهم على الحق جهارا لا يصح:
قال عبدالله بن الامام أحمد حدثني أبو شرحبيل الحمصي عيسى بن خالد قال حدثني عمي أبو اليمان وأبو المغيرة قالا أخبرنا اسماعيل بن عياش قال حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا كتب أهل الجزيرة الى عبدالرحمن بن غنم إنا حين قدمت بلادنا طلبنا اليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ما كان منها في خطط المسلمين وألا نمنع كنائسنا من المسلمين ان ينزلوها في الليل والنهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوسا وألا نكتم غشا للمسلمين وألا نضرب بنواقيسنا الا ضربا خفيا في جوف كنائسنا ولا نظهر عليها صليبا ولا ترفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون وألا نخرج صليبا ولا كتابا في سوق المسلمين وألا نخرج باعوثا قال والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر ولا شعانين ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين وألا نجاورهم بالخنازير ولا ببيع الخمور ولا نظهر شركا ولا نرغب في ديننا ولا ندعو اليه أحدا ولا نتخذ شيئا من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين وألا نمنع أحدا من أقربائنا أرادوا الدخول في الاسلام وأن نلزم زينا حيثما كنا وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم وأن نجز مقادم رؤوسنا ولا نفرق نواصينا ونشد الزنانير على أوساطنا ولا ننقش خواتمنا بالعربية ولا نركب السروج ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ولا نتقلد السيوف وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشدهم الطريق ونقوم لهم عن المجالس ان أرادوا الجلوس ولا نطلع عليهم في منازلهم ولا نعلم أولادنا القرآن ولا يشارك أحد منا مسلما في تجارة الا ان يكون الى المسلم أمر التجارة وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط ما نجد ضمنا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا وان نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق فكتب بذلك عبدالرحمن بن غنم الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب اليه عمر ان أمض لهم ما سألوا وألحق فيهم حرفين أشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم ألا يشتروا من سبايانا شيئا ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده فأنفذ عبدالرحمن بن غنم ذلك وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط.
ونصوص الفقهاء في ذلك أشهر من ان تذكر، وقد اتفق الفقهاء على عقوبة من جاهر بكفره من الكفار سواء اعترض على الله أو رسوله أو غير ذلك، وقد اختلف الفقهاء فيمن جاهر بكفره هل ينتقض عهده أم لا مع اتفاقهم على عقوبته.
قال الموصلي الحنفي في الاختيار شرح المختار(ويمنعون من اظهار الفواحش والربا والمزامير والطنابير والغناء وكل لهو محرم في دينهم، لأن هذه الأشياء كبائر في جميع الأديان لم يقروا عليها بالأمان، وان حضر لهم عيد لا يخرجون فيه صلبانهم، وليصنعوا ذلك في كنائسهم ولا يخرجوه من الكنائس حتى يظهر في المصر لأنه معصية وفي اظهاره اعزاز للكفر، يمنعون منه كما لا يمنعون من اظهار الكفر فيها، وعلى هذا ضرب الناقوس يفعلونه في الكنائس لما قلنا، ولا يمكنون من اظهار بيع الخمر والخنزير في أمصار المسلمين لأنه معصية فيمنع منه كسائر المعاصي، وكذلك في قرى المسلمين لما بينا)اهـ، وقال في التاج والاكليل لشرح مختصر خليل المالكي: (واظهار السكر ومعتقده) ابن حبيب: يمنع الذميون الساكنون مع المسلمين اظهار الخمر والخنزير وتكسر ان ظهرنا عليها ويؤدب السكران منهم، وان أظهروا صلبهم في أعيادهم واستسقائهم كسرت وأدبوا وقاله مطرف وأصبغ (وبسط لسانه)، ابن شاس: على أهل الذمة كف اللسان فان أظهروا معتقدهم في المسيح أو غيره مما لا ضرر فيه على مسلم عزرناهم ولا ينتقض العهد.اهـ، وقال الشيرازي الشافعي في المهذب (فصل ويمنعون من اظهار الخمر والخنزير وضرب النواقيس والجهر بالتوراة والانجيل واظهار الصليب واظهار أعيادهم ورفع الصوت على موتاهم لما روى عبدالرحمن بن غنم في كتاب عمر رضى الله عنه على نصارى الشام شرطنا ألا نبيع الخمور ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا الا ضربا خفيا ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين ولا نخرج سعانيننا ولا باعوثنا ولا نرفع أصواتنا على موتانا فصل ويمنعون من احداث الكنائس والبيع والصوامع في بلاد المسلمين لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم ان يبنوا فيه كنيسة وروى عبدالرحمن بن غنم في كتاب عمر على نصارى الشام انكم لما قدمتم علينا شرطنا لكم على أنفسنا ألا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا كنيسة ولا صومعة راهب)اهـ، وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني (ينتقض العهد بمخالفته وهو أحد عشر شيئا الامتناع عن بذل الجزية وجري احكامنا عليهم اذا حكم بها حاكم والاجتماع على قتال المسلمين والزنا بمسلمة واصابتها باسم نكاح وفتن مسلم عن دينه وقطع الطريق عليه وقتله وايواء جاسوس المشركين والمعاونة على المسلمين بدلالة المشركين على عوراتهم أو مكاتبتهم وذكر الله تعالى أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء)اهـ، ولاحظ ان العلماء نصوا على الذمي ومثله المعاهد والمستأمن في الزامه بعدم اعلان الكفر.
دليل ذلك قوله تعالى: {وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر} الآية وجه الدلالة ان من طعن في ديننا جهارا فقد نكث عهده ويجب على الدولة منعه من ذلك.
ودليل ثان: قوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
وجه الدلالة: ان الله أمر الدولة الاسلامية القادرة بقتال الكفار من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون ولابد من توفر الأمرين واذا جاهروا بكفرهم فليسوا صاغرين بل هم مستكبرون مستعلون، وأهل العهد والمستأمنون يأخذون حكم أهل الذمة.
وأما استدلال أخي الدكتور طارق السويدان وفقه الله على جواز اعتراض الكفار على الله ورسوله بأن اليهود كانوا يعترضون على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحبسهم ولا يقتلهم، والاعتراض على الله ورسوله له صور كثيرة والدكتور طارق السويدان أجاز جميع الصور الا ما كان فيه سب أو شتم أو استهزاء فان صاحبه يعاقب، وجوابي على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: لا فرق بين ما أثبته وبين ما نفيته والشريعة لا تفرق بين الاعتراض على الله ورسوله وبين الاستهزاء به سواء كان الفاعل من المسلمين أو من غيرهم فالكل كفر وفجور والشريعة لا تفرق بين المتماثلين، وقد ذكرت في كلامك ان اعتراض المسلم على الله ورسوله كفر صريح فكذلك السب والشتم وزالاستهزاء لله ورسوله كفر صريح.
الوجه الثاني: لا وجه للتفريق بين الاعتراض على الله ورسوله وبين السب والشتم بل قد يكون السب والشتم أهون من الاعتراض على الله لأن الاعتراض الحاد منبعه الكبر والسب والشتم كفر منبعه الغضب والسخط ولا شك ان الفجور الخارج من الكبر أشد من الكفر الخارج من الغضب.
الوجه الثالث: ان اليهود في المدينة لم يكونوا يعلنون الاعتراض على الله ورسوله ولما قال أحد اليهود (والذي اصطفى موسى على البشر) صفعه أحد المسلمين فاشتكى اليهودي عند رسول الله فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي عن فعله ذلك فقال له يا رسول الله: انه يقول: والذي اصطفى موسى على البشر وقال: لا تفضلوا بين الأنبياء الحديث.متفق عليه. (فلم يقتص النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابي وأقره على فعله) وانظر في اقرار النبي لضرب اليهودي الذي أعلن تفضيل موسى على رسول الله وليس في ذلك سب ولا شتم وانما فيه اعتراض على الرسالة ولذلك أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي على ضربه لليهودي.
وغاية ما كان يفعله اليهود في المدينة أنهم يسألون رسول الله فيجيبهم ولم يكونوا يطعنون في دين الله أو يعترضون على الوحي جهارا، ومن كان منهم يفعل ذلك فان رسول الله يقر عقوبته أو يهدر دمه كما جرى مع أبي رافع وكعب بن الأشرف كما في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لكعب بن الأشرف فانه قد آذى الله ورسوله فقال له محمد بن مسلمة يا رسول الله أتحب ان أقتله فقال نعم فقال محمد: ائذن لي ان أقل قال قل.. الحديث.
الوجه الرابع: ان اقرار اليهود على الاعتراض على الله ورسوله جهارا يفتح الباب لاعتراض المسلمين على الله ورسوله ولا شك ان هذا لو كان جائزا في الأصل فان الشريعة تمنعه سدا للذريعة لئلا يفعل المسلمون مثلهم ولذلك منعت الشريعة اظهار شعائر الكفار في بلاد المسلمين لئلا يفتتن بهم المسلمون.
الوجه الخامس: ان مثل من يقول يجوز للكفار ان يعلنوا اعتراضهم على الله ورسوله مثل من يقول يجوز للكفار ان يتحدثوا عن محاسن الربا والزنا والسحر والربا في مجامع الناس جهارا من غير سر ولا شك ان هذا من أبطل الباطل.
الوجه السادس: ان من يقول بجواز اعتراض الكفار على الله ورسوله قولا يلزمه ان يجوز الفعل الدال على الاعتراض مثل ان يبني معبدا في بلاد المسلمين أو يطبع التوراة والانجيل المحرفين في مطابع المسلمين ونحو ذلك ولا أظن الدكتور طارق السويدان يقول بذلك.
الوجه السابع: ويلزم من ذلك ان نجوز السماح للكفار بنشر السحر قولا وفعلا ونشر جواز الربا قولا وفعلا فلهم ان يبنوا بنوك ربوية من باب جواز حرية التعبير عن رأيهم بالربا ولهم ان يبنوا نوادي للزنا من باب حرية التعبير عن رأيهم في الزنا وهكذا تصبح بلاد المسلمين نسخة مطابقة للدول الكافرة في الدين والأخلاق بحجة ان الحجة تواجه بالحجة والفكر يواجه بالفكر.
وأما اعتراض المنافقين على الله ورسوله ففيه تفصيل فقد كان المنافقون يتظاهرون بالاسلام ولم يكونوا يعلنون الكفر كما قال تعالى: {اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون}.
وكانوا يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: يعتذرون اليكم الى رجعتم اليهم، وكان رسول الله يقبل اعتذارهم كما قال تعالى: عفا الله عنك لم أذنت لهم.
وعلى ذلك فقد كانوا يسرون بالعداوة والكفر ولا يعلنون ذلك كما كان يفعل ذلك رأس النفاق عبدالله بن أبي بن أبي سلول، وأما في حادثة الافك فقد كانت القرائن تكثر على سعي ابن سلول في الحادثة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعذرني في رجل قد بلغني أذاه حتى في أهلي، متفق عليه من حديث عائشة، وقد قام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فاستأذنا رسول الله في قتله فأقرهما على ذلك لولا حديث سعد بن عبادة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي في المنافقين قاعدة المصلحة العامة: لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه، متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري.
ولم يكن المنافقون يعلنون بمعارضتهم لله والرسول ولو فعلوا ذلك لأخذهم رسول الله.
================
د.شافي العجمي يرد على د.طارق السويدان 3 من3
فتح الله عليك في علم الإدارة فيا ليتك تتوجه بخبرتك هذه إلى مصر وتونس
2012/05/21
عمر وعلي ومعاذ وأبوموسى قتلوا المرتد فهل اخطأوا؟
ليس في القرآن حدالرجم للزاني ولا للوطي ولكن جاءت التفصيلات في السنة المشرفة
السنة القولية والفعلية ثبتت على قتل المرتد والأحاديث الواردة في ذلك متفق عليها
هل تعني حرية التعبير ان نترك المنظمات التنصيرية لترتع في بلاد المسلمين وتنصر أهلها؟
ارجع لكتب الفقه فلن تجد فيها واحدا يقول للمسلم بانه حر في ان يرتد أو ألا يعاقب على ذلك
أثار د.طارق السويدان العديد من القضايا الفقهية في معرض رده على مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، التي وصف بعض آراء السويدان فيها بالسفه والردة، فقد تحدث د.طارق السويدان عن حرية الفكر وعدم وجود حد للردة في الاسلام وغيرها من القضايا.
من جانبه رد امين سر رابطة علماء الشريعة في دول الخليج د.شافي العجمي على اطروحات د.طارق السويدان ردا مطولا في حلقات ثلاث حيث فند بعض الآراء وقدم رؤية مخالفة كليا لما طرحه. وفيما يلي نص الحلقة الثالثة والاخيرة من رد د.شافي العجمي:
قولك: الفكر لا يواجه الا بالفكر لا بالقانون والحجة تواجه بالحجة لا بالاكراه فيه اجمال واطلاق وتفصيله وتقييده في الجواب الآتي:
أولا: يقول الله تعالى: {ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
والآية الكريمة ذكرت ثلاثة أنواع من أنواع الدعوة وكل نوع يناسب نوعا من الناس فالحكمة تناسب الجاهل لتعرفه بالحكم والموعظة الحسنة تناسب العالم بالحكم الغافل عن آثاره والجدال بالتي هي أحسن يناسب المجادل وتركت الآية نوعين آخرين ذكرتهما في آيات أخرى، كقوله تعالى: ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير، وقوله سبحانه: {ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم}.
وقوله: {الا الذين ظلموا منهم} أي: حادوا عن وجه الحق، وعموا عن واضح المحجة، وعاندوا وكابروا، فحينئذ ينتقل من الجدال الى الجلاد، ويقاتلون بما يردعهم ويمنعهم، قال الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز} (الحديد: 25).
قال جابر: أمرنا من خالف كتاب الله ان نضربه بالسيف.
قال مجاهد: {الا الذين ظلموا منهم} يعني: أهل الحرب، ومن امتنع منهم عن أداء الجزية.انتهى من ابن كثير.
وتصديق ذلك في كتاب الله: قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون}.
وقد قال الطبري بعد عرضه الخلاف في قوله: الا الذين ظلموا منهم: وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: عنى بقوله: {الا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}: الا الذين امتنعوا من أداء الجزية، ونصبوا دونها الحرب.
فان قال قائل: أو غير ظالم من أهل الكتاب الا من لم يؤدّ الجزية؟ قيل: ان جميعهم، وان كانوا لأنفسهم بكفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، ظلمة، فانه لم يعن بقوله: {الا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}. ظلم أنفسهم.وانما عنى به: الا الذين ظلموا منهم أهل الايمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فان أولئك جادلوهم بالقتال.
وانما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب، لأن الله تعالى ذكره أذن للمؤمنين بجدال ظلمة أهل الكتاب، بغير الذي هو أحسن بقوله: {الا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} فمعلوم اذ كان قد أذن لهم في جدالهم، ان الذين لم يؤذن لهم في جدالهم الا بالتي هي أحسن، غير الذين أذن لهم بذلك فيهم، وأنهم غير المؤمن، لأن المؤمن منهم غير جائز جداله الا في غير الحقّ، لأنه اذا جاء بغير الحق، فقد صار في معنى الظلمة في الذي خالف فيه الحقّ، فإذا كان ذلك كذلك، تبين ان ألا معنى لقول من قال: عنى بقوله: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ..} أهل الايمان منهم، وكذلك لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وزعم أنها منسوخة، لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل.اهـ.
ثانيا: أمرت الآية بجدال المعرضين عن الحق وعدم تركهم يعلنون باطلهم بلا رد بخلاف قول الدكتور طارق السويدان عفا الله عنه ان يترك الكفار يعترضون على الحق والسماح لهم بحرية التعبير سواء رد عليهم أحد أم لم يرد عليهم أحد وفي ذلك منافاة لنصوص الوحي.
ثالثا: مثل من يقول اتركوا الكفار يعلنون كفرهم في بلاد المسلمين كمن يقول اتركوا الكفار يعلنون الفواحش ثم بينوا للناس حكمها، أليس في هذا تناقضا بين ان تبني دولة على مبادئ وأصول وأخلاق وتقول لكل مفسد انشر ما شئت من فسادك وقل ما شئت في كل مكان.
رابعا: يلزم من قولك الفكر لا يواجه الا بالفكر ان نسمح بقراءة التوراة والانجيل المحرفين على مسامع الناس في المنابر والمنتديات والمجامع العامة وتصبح بلاد المسلمين مرتعا لكل نصراني ويهودي ليدعو الى دينه واذا تحول المسلمون الى اليهودية والنصرانية قلنا لهم الفكر لا يواجه الا بالفكر، وعلى ذلك فلا حرج على المنظمات التنصيرية في مشارق الأرض ومغاربها في عملها ولتستمر عليه لأنها منظمات فكرية ويجب السماح لها ولا يجوز منع التراخيص لهذه المنظمات في جميع البلاد الاسلامية وغيرها.
خامسا: يلزم من قولك الفكر لا يواجه الا بالفكر ألا يقاتل النبي أهل مكة ولا أهل الطائف ولا أهل خيبر ولا العرب ولا ان يقاتل الصحابة فارس ولا الروم لأن أفكار الكفار لا تجوز مواجهتها الا بالفكر.
سادسا: يلزم من قولك الغاء أصل الجهاد من كل دين وقانون لأن الجهاد يقوم على نشر فكرة المجاهدين وفي ذلك يقول الله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله وقال سبحانه: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وفي البخاري ومسلم من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأعراضهم وحسابهم على الله».
سابعا: يلزم من قولك الفكر يواجه بالفكر ان قتال المرتدين كان خطأ لأن كثيرا من المرتدين كانوا يقولون لا نؤدي الزكاة الا للنبي وكانوا يقولون نصلي ولا نزكي وهي فكرة ولم يعلنوا الحرب على المسلمين ومع ذلك فقد قاتلهم المسلمون وأعلنوا الحرب الضروس عليهم وسير أبو بكر الصديق أحد عشر جيشا لمواجهة هذه الفكرة المفسدة لوحدة جزيرة العرب.
ثامنا: اتفق العلماء على قتل الزنديق اذا لم يتب مع أنه لم يأت الا بفكرة وقد نقل الاتفاق ابن المنذر والنووي وابن قدامة وابن حزم وابن تيمية وغيرهم ودليلهم في ذلك ما في البخاري: «ان عليا رضي الله عنه أتى بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه»..
قولك: الفكر لا يواجه بالقانون فيه نظر من وجوه:
الوجه الأول: ليس هناك دولة تترك كل الأفكار بلا قوانين بل كل دولة قد نظمت الأفكار فيها فهناك أفكار تسمح بها وهناك أفكار لا ترضى بها وقد اتفق على ذلك المسلمون والكفار فلابد لكل فكرة من قانون ينظمها وتنضوي تحته.
الوجه الثاني: يفهم من قولك هذا ان تترك الدول الاسلامية جميع الأفكار بلا قوانين تبين حكمها وترد عليها ولا أظن الدكتور طارق السويدان جزاه الله خيرا يؤمن بذلك لأن هذا يعني رد الوحي كله وابطال الدين.
الوجه الثالث: يلزم من قولك أخي الدكتور طارق غفر الله لك ان يترك الساحر والفاجر لينشر فجوره وسحره بلا قانون يمنعه وهذا من أبطل الباطل الذي يصد الناس عن الحق.
الوجه الرابع: سأضرب لك مثالا أخي الدكتور طارق بارك الله فيك: لو ان مدينة سمحت لكل واحد ان يعلن عن فكرته فجاءنا رجل وجعل ينشر فكرة تقوم على الفوضى وترك التخطيط وابطال العمل الاداري وأصبح الناس يؤمنون بذلك وظهر الفساد الاداري في كل مكان وضاعت أموال الناس وفسدت أحوالهم وكل ذلك قائم على ان الفكر لا يواجه بالقانون فلكل صاحب فكرة ان ينشر فكرته ولو ترتب عليها الفساد العظيم والشر المستطير.
الوجه الخامس: تنقسم الدول حول تنظيم الفكر بالقوانين قسمين:
القسم الأول: دول تنظم الأفكار وتضع لها قوانين تضبطها فتسمح بفكر وتمنع فكرا آخر ومن ذلك منع اشهار بعض الأحزاب لمنع انتشار أفكارها ومنع الترخيص لبعض الجمعيات لكي لا تنشر أفكارها.
القسم الثاني: دول تمنع جميع الأفكار الا فكرتها ونظامها وتقهر الناس على فكرة واحدة ونظام واحد.
ولم يبق في القسمة المنطقية الا قسم ثالث وهو الدول التي تسمح بكل فكرة ولا تضع لها قانونا ينظمها ويرشدها واذا كانت هناك دولة سمحت بهذا في الماضي أو تفعله الآن فليخبرنا الدكتور طارق السويدان غفر الله له بها للنظر كيف تنظم شؤونها وتضبط أحوالها.
الوجه السادس: لا معارضة بين وضع القوانين التي تنظم الأفكار فتمنع بعضها وتسمح بعضها وبين المناصحة والبيان والدعوة ويشبه هذا من بعض الوجوه وضع القوانين للولد ونصيحته وتعليمه وحال الوالد مع ولده كحال الراعي مع رعيته، والوالد يبين لولده ان هناك خطوطا حمراء لا تجوز مجاوزتها ولا تقبل وأذكر أنني جلست مع الدكتور طارق السويدان بارك الله فيه قبل عشر سنين وتحدثنا حول تخيير الوالد لولده في شؤون حياته فقال لي: يجب على الوالد ان يخير ولده في كل شيء من تخصصاته الحياتية فقلت له: ما تقول لو اختار الولد ترك الدراسة هل يطيعه الأب فقال لي: هذا لا يقبل.
اذن هناك قوانين تنظم العلاقة بين الوالد وولده كما في سنن أبي داود كمن حديث عبدالله بن عمر وبن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع، ولا يقول أحد ان فكر الولد يواجه بالفكر.
الوجه السابع: يلزم من قول الدكتور طارق السويدان غفر الله له ان أفكار الزوجة تواجه بالفكر دائما وليس للزوج ان يعالج أفكار زوجته بالضرب فلو قالت الزوجة أنت مساو لي ويجب ان توزع الحقوق بيننا في كل شيء فنصحها ووعظها وهجرها في المضجع ولكنها أبت ورفضت فليس له على قول الدكتور ان يضربها لأن الفكر يواجه بالفكر وليس بالقانون أو الاكراه مع ان الله قال: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن}.
قول الدكتور طارق السويدان في حد الردة: يذهب الدكتور طارق السويدان الى ان الردة تدخل تحت الحرية الدينية ولا تجوز معاقبته على فكره بل نحاوره لأن الفكر يواجه بالفكر لا بالقانون ولا بالاكراه ونسب هذا القول الى طائفة قليلة من الصحابة والتابعين وظن ان الحنفية يميلون الى رأي قريب منه.
وأقول للدكتور طارق السويدان وفقه الله لما يحبه ويرضاه: ان أهل العلم قاطبة يرون منع الردة ورفض المرتد وعقوبته وقد اختلفوا في نوع العقوبة واختلفوا في سبب العقوبة وان كان خلافا قليلا، ولم يقل واحد منهم ان المرتد له حرية الردة وله حرية الفكرة وليس لأحد ان يمنعه من ذلك لأن الفكرة تواجه بالفكرة والحجة تواجه بالحجة وليس لنا ان نواجه ذلك بالقانون أو الاكراه وارجع الى كتب الفقهاء فلن تجد فيهم واحدا يقول للمسلم ان يرتد وليس لأحد ان يعاقبه بل كتبهم متفقة على عقوبة المرتد مع اختلافهم يسيرا في العقوبة.
قول الدكتور طارق السويدان غفر الله له ان كتاب الله لم ترد فيه آية واحدة في حد الردة وأنه لا يستقيم ان يذكر الله حد الزنا والسرقة والا يذكر حد الردة، والجواب على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: ان القرآن جاء تبيانا لكل شيء وهدى وموعظة للمتقين، وقد جاء بيان القرآن في أصول العبادات وأصول المعاملات دون كثير من التفاصيل لأن السنة جاءت مبينة لمجمل القرآن، فليس في القرآن حد الرجم للزاني ولا حد اللوطي ولا شروط الحد للزاني والسارق والقاذف ولم يأت في القرآن تفاصيل التعزير وهو باب واسع في العقوبات، وكذلك في تفاصيل أوقات الصلاة وصفتها وتفاصيل الزكاة والصوم والحج والجهاد وأحكام أهل الذمة والبيوع والأنكحة والديات، وكل ذلك قد جاء تفصيله في السنة الصحيحة المشهورة فهل يقول الدكتور طارق السويدان بارك الله فيه ان العبرة بما ورد في القرآن فقط، وما الفرق بين ذكر القرآن لجلد الزاني غير المحصن وعدم ذكره لرجم الزاني المحصن وعدم ذكره لحد اللوطي.
الوجه الثاني: ان بيان القرآن يأتي تارة بدلالة النص وتارة بدلالة الظاهر وتارة بدلالة المنطوق وتارة بدلالة المفهوم ونحو ذلك من أنواع الدلالات، وعقوبة المرتد جاءت بصور شتى: منها دلالة النص في قوله تعالى {تقاتلونهم أو يسلمون} فقد قال ابن عباس أنها في المرتدين.
ومنها دلالة الظاهر مثل قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا ان الله مع المتقين}، وجه الدلالة ان المرتد كافر وهو داخل في عموم الآية ومن أخرجه فعليه الدليل.
ومنها دليل الموافقة: مثل قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون} وجه الدلالة: ان قتال اليهودي والنصراني الذي لايدين بدين الحق يساوي قتل المرتد وهو مفهوم موافقة أولى وهو ما يسميه بعض الأصوليين فحوى الخطاب، ويصلح ان يقاس المرتد على اليهودي والنصراني بعلة ترك التدين بدين الحق.
ومنها دليل القياس وهو ان كل عذاب في الآخرة فله عقوبة مقدرة في الدنيا كما في القتل فقد قال تعالى: و{من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه…} وكما في الزنا والسرقة والقذف واللواط فقد ورد عذابهم في الآخرة، بل ان العدالة تقتضي ان ما قدر الله عقوبته في الآخرة فيجب ان نقدر عقوبته في الدنيا، وهل يصح ان يعذب الله فاعل الجريمة في الآخرة ونعفو عنه في الدنيا، وحتى أهل الذمة فهم معذبون في ديننا بالصغار وبذل الجزية وليس عندنا في الدين جريمة يعاقب صاحبها في الآخرة ويعفى عنه في الدنيا.
قول الدكتور طارق السويدان غفر الله له:
ان أدلة السنة يغلب عليها العموم والاحتمال وفي ذلك نظر بالغ من وجوه:
الوجه الأول: ان أدلة السنة الواردة في قتل المرتد جاءت بدلالة النص عند جماعة من أهل العلم أو الظاهر عند جماعة آخرين، ومجيئه بصيغة العموم تقوية له وليس تضعيفا وذلك ان نصوص الوحي جاءت عامة لتكون شاملة لكل أفرادها ومن المعلوم ان دلالة العام على أفراده ظنية عند الجمهور وليس معنى ظنيتها أنها لا تصلح للاستدلال لأن المقصود الظن الغالب الذي يفيد العلم، وقد ثبتت السنة القولية والفعلية في الصحاح والسنن والمسانيد على قتل المرتد والأحاديث الواردة مثل حديث ابن عباس (من بدل دينه فاقتلوه) وحديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة)متفق عليهما، وقد فعله عمر وعلي ومعاذ وأبو موسى واتفقت الأمة الاسلامية على ذلك في زمان الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية والعثمانية ومن ذلك قتل الجعد بن درهم وغيلان الدمشقي والمختار بن أبي عبيد، والجهم بن صفوان، وبيان بن سمعان وأبي منصور العجلي والمغيرة بن سعيد،، وبشار بن برد، وصالح بن عبد القدوس والسهروردي المقتول والحلاج ومن ذلك قتل السحرة والزنادقة كما سبق.
الوجه الثاني: ان قاعدة الاحتمال التي ذكرها الشافعي في الرسالة والأم وتبعه الناس عليها هي في الاحتمال الظاهر لا الاحتمال المتوهم والذي لا يظنه الا الأعاجم والأجانب عن لغة العرب، ولو أعملنا الاحتمال المتوهم في كل آية وحديث لما بقي حق وهذه الدعوى هي التي فتحت الباب على مصراعيه لكل مبطل ان يرد ما شاء اذا شاء.
الوجه الثالث: وهل يقبل الدكتور طارق السويدان عفا الله عنه ان نبطل نصوص الوحي بمجرد الاحتمال، ونقول كل حديث دخل عليه الاحتمال فهو مجمل ويسقط الاستدلال به، أليس هذا صنيع أهل الباطل أعاذك الله منهم؟!
الوجه الرابع: قولك (عدم اطراد الفعل النبوي) ثم قلت عدم الاطراد أحد قوادح العلة، وأظنك يا دكتور طارق نقلتها من بعض مصادرك دون ربطها بموضعها لأن عدم الاطراد يتعلق بالعلة المستنبطة عند القياس فيقول الفقهاء هذه علة غير مطردة وليس المقصود ان نبطل قولا بسبب ترك النبي صلى الله عليه وسلم له في مواطن لأن ذلك مرده الى أفعال النبي ولا علاقة له باطراد العلة بل ينظر الفقهاء في سبب تعارض القول والفعل وعند ذلك يقدمون ما ظهرت دلائله، هذا ما يتعلق بالأصل أما مسألة قتل المرتد فليس هناك تعارض بين الحديث وبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولعل الدكتور طارق السويدان غفر الله له يريد بذلك ترك النبي لقتال المنافقين وقد أجبت فيما سبق ان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بظاهر اسلام المنافقين ولم يكن المنافقون يعلنون بالكفر أمام النبي صلى الله عليه وسلم أو شهد عليهم اثنان من الصحابة.
قول الدكتور طارق السويدان حول اشكال الجمع بين حرية الاختيار في المعتقد وبين اجبار المرتد على الرجوع، والجواب من وجوه:
الوجه الأول: حرية الاختيار وهذه لمن لم يسلم من أهل الكتاب واجبار المرتد وهذا لمن أسلم، وهذا مثل حرية الاختيار في دخول نسك الحج والعمرة وعدم الخروج عنهما الا باتمامهما وليس بين ذلك تعارض.
الوجه الثاني: ليس بين ذلك تعارض مثل حرية البيع والشراء قبل العقد فاذا تم العقد بين المتعاقدين فقد لزم البيع وليس لأحدهما ان يرجع الا ان يقبله الآخر.
الوجه الثالث: ليس بين ذلك تعارض فالايمان عقد بين العبد ومعبوده فاذا أبرم العقد فليس له ان يفسخ العقد أو ان يرجع عنه لأنه عقد لازم.
نقلك عن الموصلي في الاختيار أنه يقول ان المرتد لا يقتل الا اذا حمل السلاح.
وهذا النقل للأسف – ولا أظنك عامدا – هو عن الصبي المرتد وليس البالغ لأن المؤلف تكلم عن البالغ فقال انه يقتل مطلقا وهاك النصوص من كتاب الاختيار:
فصل (واذا ارتد المسلم والعياذ بالله) عن الاسلام (يحبس ويعرض عليه الاسلام وتكشف شبهته، فان أسلم والا قتل)، ثم قال: (واسلام الصبي العاقل وارتداده صحيح، ويجبر على الاسلام ولا يقتل) ثم قال عن الصبي: وانما لا يقتل لأن كل من لا يباح قتله بالكفر الأصلي لا يباح بالردة، لأن اباحة القتل بناء على أهلية الحراب على ما عرف ولأن القتل عقوبة وهو ليس من أهلها ولأن القتل لا يتعلق بفعل الصبي كالقصاص.واذا كان الصبي لا يعقل لا يصح اسلامه ولا ارتداده.اهـ.ومما يثير عجبي ان كلمة الصبي جاءت بعد الفقرة التي ذكرتها في مقالتك فكيف غابت عن عينيك ولعلك يا دكتور طارق السويدان غفر الله لك تنتبه الى هذا الأمر جيدا وهو ان فهم كلام الفقهاء ليس لكل أحد لأن غير المتخصص يقرأ على عجل ويفهم على عجل ويظن ان السياق يدل على كذا وفهمه مغاير للمقروء.
وفي الختام أقول:
أخي الدكتور طارق السويدان سدد الله خطاك: احفظ عني ما أقول لك:
أولا: لم يتيسر لي ان أجيب على كل اشكال في مقالتك مع أهمية الرد على أشياء كثيرة وقد تركتها لتزاحم المصالح وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
ثانيا: لقد فتح الله عليك في علم الادارة وكسب الجماهير وهما نعمتان كبيرتان واني أرجو الله ان يوفقك لتوجيههما لصلاح الأمة الاسلامية ولاسيما بعد حصول هذه الثورات العربية فهم في حيص بيص ولم يظهر لي أنهم يفكرون بفقه الدولة بل مازالوا يعالجون الأمور بفقه الحركة وكأنهم في محاضن جماعاتهم، فياليتك ثم ليتك أخي وعزيزي الدكتور طارق السويدان ان تتفرغ لهذا الهدف العظيم وتسدد وتنصح وتشير بما فتح الله عليك بادارة الدولة بعد الثورة لأن تونس وليبيا ومصر واليمن تعاني كل منها أشد المعاناة من العفوية والارتجال والمركزية والفوضى وضعف الأولويات واختلال قاعدة المصالح والمفاسد واضطراب فقه السياسة الشرعية.
ثالثا: اذا أشكل عليك شيء من العلم فقدم سؤالا لمن تثق بعلمه وتقواه وانتظر جوابه فان اطمأننت له والا فاسأل غيره فان وجدت ان السؤال يستحق رأيا جماعيا وحوارا من أهل العلم فقدم سؤالا للمجمع الفقهي أو مجمع البحوث أو الأزهر أو هيئة كبار العلماء أو غيرها من المؤسسات العلمية الكبرى.
رابعا: لقد تجرأ كثير من شباب المسلمين على باب الاجتهاد بحجة أنهم يميزون بين أقوال الفقهاء ويستطيعون الترجيح بين الأقوال ففتح من الشر ما لا يعلمه الا الله فالله الله يا دكتور طارق في نصيحة شباب المسلمين ان يعرفوا قدر الفقهاء والعلماء وأن لا يستعجلوا في الفتوى وأن يعتكفوا على حلق العلم وأن يتعلموا أصول الفقه وأصول النحو ويتلقوا العلم من المتخصصين الذين أفنوا حياتهم في العلم وتعليمه وهم في كل بلد ولله الحمد.
أرجو ان يتيسر اللقاء بيننا على الخير والعلم أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
أخوك شافي سلطان
d.shafi_alajmy@hotmail.com
اترك تعليقًا